العولمة الإسلامية
العولمة مشتقة من لفظ العالم والعالمي بمعنى جعل الشيء عالمياً وفي الاصطلاح الحديث عبارة عن اكتساب الشيء كالسياسة والاقتصاد والثقافة صفة عالمية أي ان هذه الامور تنتشر في كل مكان في العالم وتسيطر عليه ويقصدون من العولمة العولمة المكانية مع انها تصدق على عالمية المكان والزمان فعولمة الاقتصاد تعني جعل النظام الاقتصادي واحدا في جميع العالم ويستبطن هذا المعنى ازالة ورفع جميع الحواجز في سبيل تحقيق هذه العولمة الاقتصادية مثلا.
ومن الواضح انه في عصرنا هذا الذي يسيطر على العالم هو قطب سياسي واحد وهو القطب الامريكي بعد سقوط القطب الشرقي والهدف من هذه العولمة سيطرة امريكا على جميع شؤون العالم اجمع سواء كان في مجال السياسة او الثقافة او التجارة او غيرها.
وقد طرحت هذه المسألة بشكل قوي وسريع بحيث اصبحت الدول الاسلامية وغيرها امام امر واقع وشر لابد منه وبلاء لا يمكن تجاهله والتخلف عنه.
وقد بدا انصار العولمة بنشر هذه الثقافة المنحطة والمتميعة والمنحلة من خلال الاقمار الصناعية وعبر القنوات الفضائية ومن خلال ثورة المعلومات والمعرفة والاتصالات وغيرها من الوسائل. ويمكننا تلخيص اهم هذه الوسائل في النقاط التالية:
ثقافة المشاركة في صنع القرارات السياسية وغيرها ولو صوريا على اساس الديمقراطية باعتبارها افضل طريقة للحكم عند الغرب عموما.
ثقافة نشر الفساد الاخلاقي والمنكرات والتميع والتحلل والعلاقات المتبادلة حتى المحرمة منها بين الجنسين والترويج لثقافة الرقص والغناء والموسيقى واظهار مفاتن المرأة وجسدها باعتبار ان جسد المرأة من العناصر الجمالية التي يجب ابرازها امام الرجال وتوظيف هذه الانوثة لخدمة العولمة وثقافة النظام العالمي الجديد واهدافه.
عولمة الاقتصاد القائم على الربا والفوائد المحرمة وكذلك اباحة القمار بجميع اشكاله وانواعه.
الفصل بين الدين والسياسة وعزل الدين عن الحياة اليومية والنظام الحاكم لئلا يكون الدين مانعا وحاجزا امام الفساد والفحشاء والمنكرات وامام التغيير والتطور والعولمة وجعل العلم والتقنية هما الاساس في كل شيء بحيث يكونان دليلين على صحة التوجه في مجال العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية والانسانية وغيرها.
ونظرا لغياب الثقافة الاسلامية العميقة الهادفة لسعادة البشر في الدارين وعدم تطبيق احكام الاسلام في اغلب بلدان العالم دفع الكثيرين من الانبهار والانجذاب نحو العولمة وان كانوا يعلمون بانها تضر المجتمع وتفسده وتكون خلافا لشرع الله سبحانه وتعالى والدين الاسلامي القويم فانساق هؤلاء نحو النظام العالمي الجديد ونسوا الله العظيم والشريعة الاسلامية الحقة.
وقد انقسم المسلمون الى صنفين الاول منهما يرى ان الواجب الشرعي يحتّم علينا ان نغلق الابواب والنوافذ امام هذا الشر الخطير الذي اكتسح العالم وداهم الامة الاسلامية مع ضرورة الرجوع الى كتاب الله وسنة رسوله الكريم والعلماء والفقهاء وتحصين المجتمع بالدعوة الى ما ذكرناه والسعي الجاد لابعاد الشباب والفتيات عن وسائل العولمة الثقافية المنحطة التي غزت العالم ومنعهم من قراءة الصحف ومشاهدة التلفاز والقنوات الفضائية وعدم الاستفادة من الانترنت وعدم فسح المجال لابنائنا وبناتنا للدراسة في جامعاتهم ومعاهدهم وكلياتهم.
اما الصنف الثاني فيرى ان معالجة خطر العولمة تتم تتم من خلال التمسك بالثقافة الاسلامية العميقة الشاملة لجميع نواحي حياة البشرية التي عالجت جميع مشاكل حياة الانسان وفي جميع مجالاتها وهذه الثقافة الاسلامية الربانية لاتختص بفئة دون اخرى ولا بمنطقة معينة بل انها عامة لجميع البشرية في كل زمان ومكان وفي جميع العصور والازمنة.
فما دام لنا هذه الثقافة الاصيلة فعلينا ان نفتح الابواب كاملة امام الثقافات الغربية الوافدة الينا من اجل ان يلحق المسلمون بالركب العالمي وان تتلاقح الثقافة الاسلامية ويتوحد العالم حول ثقافة واحدة لتحقيق السلام والتقدم العالمي.
ورأينا في هذا المجال ان كلا الرأيين خطأ فلا الانغلاق الكامل على العولمة الجديدة ممكن وحتى لو اردنا ذلك وكان ممكنا لما كان امرا صحيحاً ، ولا الانفتاح التام بلا حدود وضوابط على الثقافة الجديدة والعولمة المعاصرة يكون صحيحاً فان الاخطار الناجمة عن الانفتاح ليست باقل من اخطار الانغلاق على العولمة ، واظن ان القلق والتشويش والاضطراب سيظل مسيطرا وحاكما على علماء المسلمين ومفكريهم ومثقفيهم حتى يجدوا حلا صحيحا وموضوعيا ومعقولا لمشكلة العولمة الثقافية.
ومع الاسف الشديد نرى غياب التصور الصحيح والمنطقي لاصول ومفردات الثقافة الاسلامية وعدم توظيف وتطبيق جميع مفردات هذه الثقافة في مجالات التربية والتعليم والتثقيف العام مع انحسار كثير من هذه المفردات عن حياة الامة كمجال السياسة والادارة والحكم والاقتصاد والتجارة اضافة الى عدم وجود بديل في عالم الخارج وفي عالم الاثبات – لا في عالم الثبوت – منافس للثقافات الغربية المعارضة للثقافة الاسلامية وعدم وجود اجهزة ثقافية واعلامية مؤهلة في هذا المجال من قبل الدول الاسلامية واخيرا تقديم وعرض الثقافة الاسلامية بصورة مشوهة مع تضارب الاجهزة الثقافية والاعلامية في دولنا الاسلامية.
فاذا اردنا مهاجمة العولمة والثقافة الغربية المتحللة فلابد من نشر الثقافة الاسلامية الاصيلة على اوسع مدى ممكن في البلدان الاسلامية وغيرها لاحداث عولمة اسلامية معاصرة لتحل محل الثقافة الغربية والعولمة الكافرة ، كما شاهد العالم كيف احدث المسلمون في القرون الاسلامية الاولى عولمة اسلامية وثقافة اصيلة حتى انتشرت في جميع بقاع العالم وسيطرت الثقافة الاسلامية على جميع ربوع الارض.
ومن الواضح ان الثقافة الاسلامية مبنية على التوحيد الخالص لله سبحانه وتعالى " فتعالى الله الملك الحق لا اله الا هو " المؤمنون 116. بخلاف الثقافة غير الاسلامية المعاصرة فانها مشركة ، قال تعالى " وجعلوا لله شركاء قل سموهم " الرعد33 واما انها تقوم على الكفر والالحاد كما قال الله سيحانه وتعالى " وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه "سبأ33.
فللاسلام مجال ثقافي واسع اما المجتمعات المادية والغربية فانها سمحت لهيئاتها التشريعية وضع قوانين وتشريعات لمختلف جوانب الحياة بعيدا عن الدين حتى عن الديانة المسيحية وهذا ليس ممكنا في الامة الاسلامية اذ أن القرآن والسنة الشريفة هما مصدرا التشريع ولا يحق لاي هيئة بشرية تشريع قوانين للامة الاسلامية او تسنّ قانونا مخالفا مع حكم او أصل في هذين المصدرين " ما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم " الاحزاب36.
ونتيجة لاختلاف الثقافة الجاهلية والاسلامية نرى ان المجتمعات المادية تعتقد حقائق واعرافاً اخلاقية متطورة ونسبية في علاقات الافراد بصفة عامة وعلاقات الرجل والمرأة بصفة خاصة وغير ذلك من انواع العلاقات بطريقة لايحدها ولا يوقفها الا قبول الافراد في المجتمعات الجاهلية فهي حقائق واخلاق صحيحة اذا رضى عنها الافراد والمجتمعات وهي غير صحيحة اذا لم يرض عنها احد بينما يعتمد الاسلام على حقائق ثابتة و اخلاق اصيلة ومؤكدة لا نسبة في الاول ولا تغيير في الثاني وفي كل المجتمعات وفي كل زمان ومكان.
فالاسلام يعتمد على اسس اخلاقية ثابتة يعبر عنها القرآن " ما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " الحشر7 وتعبر السنة عنها (( حلال محمد حلال الى يوم القيامة )).
بخلاف الثقافة الغربية فانها لا تمتلك اسسا اخلاقية ثابتة وحقائق دائمة وغير متغيرة ، بل قد سمحت المؤسسات الغربية بتبني اعراف وقضايا متطورة في علاقات الافراد بصفة عامة وعلاقات الرجل والمرأة بصفة خاصة.
ولاريب ان الثقافة التي تعتمد على اصول وركائز واسس اخلاقية ثابتة كالثقافة الاسلامية تختلف تماما عن الثقافة التي لاتعتمد على اصول تشريعية ثابتة وركائز اخلاقية لازمة فمثلا بالنسبة لشرب الخمر يكون مرفوضا في الثقافة الاسلامية بينما يتغير الوقت في الثقافت غير الاسلامية من عصر لآخر ، وكذلك بالنسبة الى جسد المرأة فان موقف الاسلام ثابت دون الثقافة الجاهلية فانها عرضة للتغيير واخيرا استقر الامر على كشف جسد المرأة امام الرجال.
وهذه الثقافة الغربية تمثل تهديدا حقيقيا للثقافة الاسلامية التي تريد ان تقف امام العولمة بينما الغرب يريد ان يطبق ثقافته الكافرة في مجال السياسة والتجارة والاقتصاد والمعرفة والثقافة الغربية ترى ضرورة فصل الدين عن الدولة وترى ان العقيدة والدين من القضايا الفردية والامور الشخصية ورابطة خاصة ويجب ان تحل نحل العقيدة روابط اخرى تتمحور حولها المجتمعات الغربية كالوطن والجنس والعقائد السياسية والقومية والوطنية.
ولا ريب بان النظام العالمي الجديد من صنع الدول الدول الاقوى متمثلة باميركا وحليفاتها فمن الطبيعي ان تتبنى العولمة الثقافية والسياسية والاقتصادية وغيرها لسيادة نظامها العالمي الجديد وفرض سيطرتها على الدول والشعوب والانظمة بما فيها النظام الاسلامي.
ان هذا النظام العالمي الجديد يعتمد على شبكة معلوماتية قوية وواسعة في جميع مجالات الحياة لتجاوز هويات الشعوب الاخرى ومحو خصوصياتها الثقافية والحضارية حتى يمهد الطريق لنشر ثقافته في المجتمعات الاسلامية وغيرها.
وبالامكان ان نقول بان العولمة الثقافية المرتبطة بالنظام العالمي الجديد هي في الواقع بمعنى امركة العالم للدور الكبير الذي تلعبه اميركا في ادارة هذا النظام الجديد .
ان الواجب الشرعي يحتم علينا نشر الثقافة الاسلامية واحداث عولمة اسلامية في العالم لاننا نمتلك ثقافة قوية وعميقة تؤهلها للمشاركة في عولمتها من دون أي خوف. ولكن بشرط استجابة حكومات الدول الاسلامية وفسح المجال امام هذه العولمة الاسلامية.
ان دين الاسلام هو خاتم الاديان وفيه كل ما يحتاجه الانسان وخصوصا في المجال الثقافي فانطلاقا من واجب نشر الاسلام الى العالم كما قال تعالى " كنتم خير امة اخرجت للناس تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر " آل عمران 110 فعلينا جميعا ان نخطط لعولمة ثقافتنا الاسلامية ولكن بعد ان نصلح اوضاعنا الداخلية ونرجع الى كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الائمة عليهم السلام مع اعادة بناء الهياكل الادارية والتنظيمية في الدول الاسلامية وفقا للثقافة الاسلامية مع اعادة بناء مناهج التربية والتعليم في المدارس والجامعات طبقا للنظرية الاسلامية واعادة بناء الهياكل السياسية والاقتصادية والتجارية على ضوء القرآن والسنة وكذلك اعادة بناء السياسات الاعلامية على كافة الاصعدة لتمثل الثقافة الاسلامية مع اشتراك الامة الاسلامية في صنع القرار وانشاء مراكز ومؤسسات للبحوث العلمية والمشاركة الحقيقية في تطوير التقنية حتى يستطيع المسلمون المشاركة الحقيقية في هذه المجالات بدلا من ان يكون المسلمون متلقين او مقلدين للغرب.
والخلاصة ان الثقافة الاسلامية في عصر العولمة تواجه مشكلتين كبيرتين :
الاولى : تحديها وتصديها بكل قوة وحزم لثقافة العولمة الكافرة الملحدة مع الحفاظ على الهوية الاسلامية.
الثانية : هو التهيؤ والاستعداد لعولمة الثقافة الاسلامية والسعي لتعريف الاسلام الحقيقي ونشر مفاهيمه الاسلامية سواء من خلال المؤتمرات او تفعيل قرارات منظمة المؤتمر الاسلامي او من خلال اعلامنا الاسلامي ولكن كل ذلك بعد وحدتنا ورص صفوفنا كما قال احد كبار علماء الشيعة في مصر (( ان ثقافة اسلامية موحدة كفيلة بتوحيد صفوفهم )) ويقصد بهذه العبارة ان المسلمين اذا التفوا حول الثقافة الاسلامية يمكن نشرها في العالم وبعبارة اخرى عولمتها.
فعلينا ان نتوحد حول ثقافتنا الاسلامية وتوظيف كافة امكانياتنا العلمية والتقنية الحديثة في مجال المعلومات والاتصالات لخدمة الثقافة الاسلامية الموحدة وعولمتها في العالم.