يــوم العـشق الإلهـي
ان لملحمة الطف، التي استشهد فيها سيد شباب اهل الجنة الامام الحسين (ع) واصحابه الكرام في يوم عاشوراء، جوانب عديدة واسرارا كثيرة وابعادا مختلفة، بحيث ان كل جانب منها يستحق الدراسة والبحث والتحليل لأجل الاستفادة والعبرة من ذلك. لقد ذكر المؤلفون والخطباء الجانب الثوري والتاريخي والاخلاقي لثورة ابي عبدالله الحسين عليه السلام، ونحن نذكر في هذا المقال المختصر احد اسرار هذه الملحمة البطولية، وهو البعد الحقيقي والواقعي والباطني ليوم عاشوراء ورجالاتها، فنقول مستلهمين من هذه الذكرى العظيمة: ان الحسين عليه السلام ضمير الاديان، والضمير محبة وعشق وتحاب وغيرة، بحيث اصبح الامام عليه السلام العاشق الواله الفاني في الله محطا ومركزا ومحورا للعشاق، وجعل افئدة من الناس تهوى اليه، وقد جن بعض اصحابه، وأفنى البعض الآخر نفسه في الحسين، كما يجن العاشق الحقيقي تارة ويفني نفسه في المعشوق تارة اخرى، كالفراشة التي تفني نفسها في الشمعة، لأن العاشق لا يرى في هذا الكون الا وجه المعشوق، ولا يعرف شيئا غير جمال المحبوب، فمن وجد حب الحسين في قلبه لم يفقد شيئا - ماذا فقد من وجدك؟ - ومن فقد الحسين وابتعد عن اهدافه فإنه فقد كل شيء ماذا وجد من فقدك؟، فنرى ان ليلة العاشقين وليلة الوصال وليلة الفناء وليلة الحب عند اصحاب الامام هي ليلة عاشوراء، فكان انصار الحسين في ليلة الموت يضحكون ويمزحون بعد ان شربوا كأس الوصال واخذوا يترنمون وينشدون اشعار الحب والغرام بالحسين عليه السلام في ليلة عاشوراء، مع علمهم بأن هذا الحب والعشق والفناء قاتلهم، فإن الحب يقتل العاشق الحقيقي والصب الواقعي، بل يفنيهم فناء كاملا، بحيث لا يبقى منه شيء وحينئذ ترى جميع آثار واحكام المفنى فيه في الفاني،وقد قال الحسين في حق اصحابه وعشاقه: «انى لا اعلم اصحابا اوفى ولا خيرا من اصحابي، قد أذنت لكم فانطلقوا فجزاكم الله عني خيرا»، فأجابه بعض اصحابه وقد اسكره حب الامام عليه السلام، لِمَ نفعل ذلك؟.. لنبقى بعدك.. لا أرانا الله ذلك ابدا، وقام الشيخ الكبير مسلم بن عوسجة قائلا: اما والله لو قد علمت اني اقتل ثم أُحيا ثم احرق ثم أحيا، ثم أذرّ يفعل ذلك بي سبعين مرة، ما فارقتك حتى القى حمامي دونك، وكيف لا افعل ذلك، وانما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها ابدا، وقام العاشق الجديد وهو زهير بن القين قائلا: والله لوددت اني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى اقتل هكذا الف مرة، وان الله عز وجل يدفع بذلك القتل عن نفسك، وعن انفس هؤلاء الفتيان من اهل بيتك. وبات ليلة عاشوراء الحسين واصحابه ولهم دوي كدوي النحل ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد مع علم هؤلاء العشاق بأنها الليلة الاخيرة من حياتهم، وكان بريد المتيم بحب الحسين يضاحك في ليلة عاشوراء عبدالرحمن، فقال له عبدالله: يا بريد اتضحك ما هذه ساعة ضحك ولا باطل، فقال بريد لقد علم قومي ما احببت الباطل كهلا ولا شابا، وانما افعل ذلك استبشارا بما نصر الله، فوالله ما هو الا ان نلقى هؤلاء القوم بأسيافنا نعالجهم بها ساعة ثم نعانق الحور العين. ان الامام الحسين عليه السلام الذي يرى الوجه الملكوتي الباطني الغيبي للعالم اراهم منازلهم في الجنة فرأوا القصور والحور والنعيم الذي اعد لهم. اصحاب الحسين عليه السلام كانوا يقاتلون عن يقين وبصيرة وثبات، لذا كانوا يستبقون الى الشهادة، ولا يحسون ألم السيوف والنبال، لأن الحب لا يتم كماله الا اذا صاحبه الاخلاص والواقعية في حبه حتى يغدو المحب متيما بحبيبه يتحمل ويستعذب من اجله كل عذاب وألم ومكروه. ان لون الدم الاحمر القاني الذي تلطخ به الحسين واصحابه هو لون العشق الالهي ولون الشهادة الحمراء ورمز الحب الحقيقي القاتل، فرسالة الحسين عليه السلام للانسانية كلها رسالة الدم والعشق والحب، فقد احب الله حسينا واحبه واحب رسول الله عليه الصلاة والسلام الحسين عليه السلام قائلا: أحب الله من احب حسينا، وقال ايضا «اللهم أحبه فإني أحبه»، فحب الامام عليه السلام واجب على جميع المسلمين، ولكن مجرد الحب الصوري لا يكفي، بل يجب ان نعطي مصداقية لهذا الحب من خلال العمل برسالته الخالدة واهدافه الرسالية وثورته العملاقة لأجل الحرية والعدالة والديموقراطية. ان الحسين عليه السلام يدعونا الى ان يحب بعضنا بعضا، بل نحب الآخرين ونعيش آلامهم وهمومهم ونتعاطف معهم ونساعدهم ونبتعد عن العنف والارهاب والبطش والفتك وان نشجب جميع العمليات الجبانة الارهابية ضد الابرياء، وان لم يكونوا على دين الاسلام، لأن رسالة العشق الالهي التي تجسدت في حياة الحسين وفي ملحمته البطولية هي المحبة والعشق والعطف والحنان والتعايش السلمي وتحمل آراء وافكار وعقائد ونظريات الآخرين وعدم تكفير او تفسيق من لم يكن على شاكلتنا. ومن خلال ما ذكرته، نستطيع ان نخرج بهذه النتيجة: ان يوم عاشوراء الحسين يوم تجلى الحب والعشق الالهي في كربلاء ورسالته عليه السلام التي وصلت الى العالم عبر الاثير ومن خلال تضحياته لأجل احقاق الحق، ودحض الباطل في واقعة الطف هو الحب والعشق.