يمر العالم في الفترتين الراهنة والقريبة بتغيرات جذرية اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية، ويسير حسب المختصين نحو تحقيق تحولات أساسية سببها التطور الفائق لتكنولوجيا المعلومات والنمو المطرد لحجم المعلومات التي أحدثت تغيرات عديدة في أنماط المعيشة، وطريقة العمل في مختلف ميادين الحياة. ومعنى ذلك أن المعلومات والمعرفة العلمية التي تنشرها تكنولوجيا المعلومات اقتحمت البيوت دون استئذان، وأصبحت حاجة ملحة وذات أهمية كبيرة في حياة البشرية التي تتسم بالتعقيد والتشابك.
لقد أدرك العالم تقبل المعلوماتية كوسيلة أساسية هامة للتنمية، ولقد كان التوظيف الصحيح لهذه الوسيلة الفعالة للتنمية هو النموذج المتبع في الدول الصناعية والمتقدمة. ومن الواضح بمكان انه من خلال استخدام المعلوماتية، فان الدول المتقدمة تستغل مصادرها بشكل أفضل مما يسهل عليها التقدم في كل مناحي الحياة، وفي المقابل فان النقص في التخطيط السليم والاستخدام السلبي للمعلومات كانا من الأسباب الرئيسة في عدم الاستفادة من المصادر المتوافرة لدى الدول النامية. إن تطوير التقنية الحديثة للمعلومات والاستخدام الأمثل لها هما عنصران أساسيان في تطوير كافة الأنظمة المجتمعية، بما فيها النظام التعليمي، لان أي تطوير مبني على الادعاء الاكثر فعالية، يجب أن يعتمد على معلومات حديثة، وبالتالي من المهم جدا للمخططين في الدول وصانعي القرارات والمديرين والباحثين الحصول على ميكانيكية معتمدة للتأكد من توفر البيانات والمعلومات.
والتربية سواء بصفتها متغيرا تابعا للتحول المجتمعي أو محركا أوليا لهذا التحول، هي بحكم دورها وطبيعتها أكثر جوانب المجتمع عرضة للتغير، بناء على ذلك، فان المتغيرات الحادة التي ينطوي عليها عصر المعلومات ستحدث بالضرورة هزات عنيفة في منظومة التربية: فلسفتها، سياستها،مناهجها وأساليبها.
وتسعى كل فلسفة تربوية إلى تحديد غايات التربية، وعليها أن تجيب في شأن ذلك على سؤالين هامين :
* لماذا نعلم ونتعلم؟.
* ما مواصفات الإنسان نتاج التربية المنشودة؟.
والفلسفة التربوية لا تنشأ من فراغ، بل تستند على فلسفة اجتماعية، وهي غير ثابتة ونهائية، حيث أنها تتسم بالتنوع والمرونة، وقد تضاعفت اهمية هذه الامور في عصر المعلومات. وعلى التربية ان تحقق ثلاث غايات في كل عصر :
* إكساب المعرفة.
* التكيف مع المجتمع.
* تنمية الذات والقدرات الشخصية.
وقد أضاف عصر المعلومات بعدا تربويا رابعا وهو ضرورة إعداد إنسان العصر لمواجهة مطالب الحياة في ظل العولمة، وهذه الغايات لا تختلف كثيرا عن تلك التي وردت في تقرير اليونسكو (التعليم ذلك الكنز المكنون) وهي :.
* تعلم لتعرف.
* تعلم لتعمل.
* تعلم لتكون.
* تعلم لتشارك.
والتربية قبل عصر المعلومات قامت على أساس تربية الاعداد الغفيرة من الطلبة مما أدى إلى إنتاج أفراد ذوي قدرات متوسطة، أما في عصر المعلومات فان التربية تسعى إلى اكتشاف الموهوبين وتنمية قدراتهم وذلك بتطويع برامج التعليم لتلاءم قدرة وموهبة الطلبة وتنمية ابداعاتهم. وتعمل التربية في عصر المعلومات على تلبية الإبداع والخيال من خلال :.
* إتباع أساليب التعلم بالاكتشاف من خلال التجربة والخطأ.
* الدعم الكبير الذي تقدمه تكنولوجيا شتى أنواع الإبداع المختلفة.
* التعلم من خلال الحوار والمشاركة عن بعد (الانترنت).
* تنمية مهارات التواصل عبر البريد الالكتروني وحلقات النقاش وغيرها.
لذلك أصبح توفر شبكة من المعلومات والدخول إلى عصر المعلومات من الضروريات الأساسية من اجل خلق تربية معلوماتية عصرية رغم التحديات الهائلة التي يطرحها مجتمع المعلومات، وهذه التحديات أدت إلى مراجعة شاملة ودقيقة للأسس التربوية، وعاد مفهوم التربية يطرح نفسه مجددا كشاغل رئيسي لعلماء التربية. فلم يعد هدف التربية هو تحصيل المعرفة، ولم تعد المعرفة هدفا في حد ذاته بل الأهم من تحصيلها هو كيفية الحصول عليها والوصول إلى مصادرها الأصلية وتوظيفها في حل المشكلات، وكيفية إتقان أدوات التعامل معها، ويجب أن تكتمل المعرفة باستيعابها وتعميقها وتوظيفها. فالعلم في عصر المعلومات هو العلم، والتعليم في عصر المعلومات هو ممارسة أن نعلم الفرد كيف يتعلم ذاتيا. والتربية في عصر المعلومات تهتم بتنمية التفكير الايجابي، وتعميق روح المشاركة، فلا وجود في مجتمع المعلومات للقبول بالمسلمات. وعلى ذلك لا يعني انتشار الوسائل الالكترونية لحفظ المعلومات أن الإنسان لم يعد بحاجة إلى الذاكرة البشرية، فعلى العكس يحتاج تضخم المعلومات وسرعة تدفقها إلى حسن استغلال الإنسان لموارد ذاكرته الطبيعية، من خلال تخزين المفاهيم والبيانات والعلاقات. أي أن أولى مسؤوليات إنسان العصر هي مسؤوليته تجاه عقله ومداومة تنمية قدراته وصيانة موارده الذهنية.
تحياتي...